هناء صادق...عراقة بلا حدود
وسط زحمة الالوان المزركشة
وشغفها بكنوز حضارة بابل المتلألئة بالذهب
والفضة ، بزغ نجم مصممة الأزياء العراقية ذات
الأدب الفرنسي الذي امتزج عملها بين الفن
العربي والازياء المعاصرة لتشكل ايقونة جديدة
خاصة بها من خلال تصاميمها الفريدة المستوحاة
من عراقة حضارة وادي الرافدين بشكل خاص
والحضارات العربية بشكل عام ، و توثيق التراث
العربي عبر ابداعها في تصاميم الازياء والحلي
والمجوهرات لاهميته بعد موجة التدمير التي
اصابت موروثه الثقافي المتنوع والجميل ، حيث
اشتهرت بتصاميم أعمالها المتميزة على
المنسوجات والرسم على الحرير والسيراميك في
عاصمة الموضة "باريس" ، وقد أقامت عروض
الأزياء في عمان ونابولي وبيروت ودبي. ما جعل
تصاميمها تغزو خزانات الملكات والاميرات
وسيدات المجتمع الراقي ... انها سيدة الاحجار
وسحرها والفضة وبريقها "هناء صادق".
س1/ كيف تولدت لديكم فكرة دخول عالم التصميم
الممزوج باصالة الماضي وموروثه الثقافي
العربي؟
ج/ ان الازياء عالم ساحر يمتزج بين ثناياه
الاحساس بالفن وذكرياتنا معه التي لازمتنا منذ
الطفولة حيث كنت انجذب لهذا الفن بذات الغريزة
التي ترافقي اليوم ، فقد استهوتني الالوان
والشكل ورغم تعمقي بالفن التشكيلي يبقى كل
تصميم خطته اناملي ، هو عبارة عن لوحه لكي تجد
طريقها نحو الاقمشة ، اضاف الى استقراري في
عاصمة الموضة والجمال "باريس" حيث سكني في
فرنسا لفترة طويلة قد شحن حنيني للعراق
وذكرياتي مع جدتي وطقوسها بين الملابس والحلي
، يضاف الى ذلك اهتمامي بالحضارة العراقية
والعربية في ان واحد من خلال دراستي العميقية
عن التراث العربي الاصيل والتي صقلت موهبتي ،
اضافة الى التشجيع الكبير الذي لمسته من
اساتذتي عبر مراحل الدراسة. وهكذا بدأت بمجهود
شخصي لا اتطلع فيه ان تكون مهنتي فحسب وانما
تعدى ذلك نحو الاحتراف بالصدفة ومن ثم الحاجة
المادية في المقام الأول والاهم من ذلك نضالي
من اجل المرأة العربية ليكون لها كيان مستقل
حتى في مظهرها .
س2/ كل تصميم من اعمالك يمثل حكاية وهذا يعني
ان خطاك سارت نحو حقل من الالغام أو بمعنى أدق
انها مهنة صعبة المراس؟
ج/ لا استطيع ان اطلق عليه تسمية حقل الغام
وانما صعوبات حقيقية وذلك بسبب عدم وجود مدارس
ومناهج تعزز هذا التفرد النوعي بالازياء وهذا
ماجعلني ان اسخر كل جهودي في المعرفة والبحث
عن الكتب وريادة المتاحف العربية وحتى البحوث
الميدانية ، لذلك استنفذ مني المال والجهد
والوقت (العمر) لكن حبي وشغفي الكبيرين
والاصرار المتواصل نحو تحقيق الهدف والغاية
المنشودة منها لكي اصل باثوابي العربية نحو
العالمية ، اضافة الى حرصي الدائم على تقديم
ماهو افضل تجاه اذواق سيدات المجتمع العربي
والغربي ، ومن هناك كانت تصاميمي بمثابة نقطة
تحول في عالم الازياء كونه مزيج من اصالة
الماضي وعبق الحاضر.
س3/ ان التخصص في نوعية هذه التصاميم الممتدة
بالحضارة العربية يتطلب الصبر والوقت الطويل
والمال الوفير ، الا تعتقدين انها معادلة
الاضداد في ان واحد؟
ج/ ان تطور الازياء ظاهرة تقوم على عنصري
الابداع والتقليد الذي يرتبط في اكثر الاحيان
بالحالات الاجتماعية والاقتصادية وحتى
السياسية لكل شعب ، فالتراث يشكل وجدان أي
أمة، خاصة إذا كان الموروث كينونة حية في نفوس
وعقول الناس، ويمدها بالقدرات والطاقات
الخلاقة والمبدعة التي تسهم في البناء
والتنمية. ولهذا تعد الأزياء سجلاً يحفظ بين
طياته عادات الأمة وتراثها، ويستدل بها على
كثير من المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية
والثقافية، ومن هنا كانت اغلب التصاميم التي
نفذتها سواء كانت على الاقمشة او الحلي ، هي
في حقيقة الآمر مستمدة من حضارات عالمنا
العربي ما جعل قيمة اقتنائها معنوياً أكثر مما
هو مادي.
س4/ رغم ان للحلي الذهبية أهمية ومكانة ؟ اكبر
من الفضة من حيث القيمة المادية ، الأ ان
غالبية اعمالك تتركز على الفضة ... ما السر في
ذلك؟
ج/ رغم أننا ندرك تماما أن أول من اكشتفوا
الذهب لم يعتقدوا ولو لبرهة أن هذا المعدن
سيحمل مع مرور الوقت قيمة نقدية أساسية ، الا
أن خصائص الذهب المادية جعلت منه ركيزة في
إثبات العمليات التجارية وضمان الحقوق، إلى
جانب اعتباره وسيلة معيارية ذات قيمة حقيقية
للتبادل التجاري وبالتالي، إنها الفائدة
النقدية التي تجعل للذهب قيمته الحقيقية
الفعلية.
لذلك ارى الفن بالحلي التي ابحث عن دلالاتها
وطلاسمها التي لا يحفظها الذهب كونه مع مرور
الزمن يباع او يذوب لعمل موديل جديد اخر،
بينما معدن الفضة الذي يتمتع بقيمة مادية
رخيصة فأن المرأة لا تفكر ببيعه ، بل تتركه
وتصوغ موديل جديد ولهذا استطعت ان اقرأ مكانة
الحلي الفضية التي قد تكون عمرها 50 سنة ، الا
انها تحمل نفس طلاسم قطعة عمرها 500 سنة .
س5/ ايهما اكثر تأثيراً في المجتمعات
والقوميات والاديان في ذهنية المصممة هناء ،
هل الحلي أم الازياء؟
ج/ اصبحت العلاقة بين الازياء والحلي علاقة
حميمية وتجانسية لايمكن فصلها عن الاخر ، لذلك
نرى ان الازياء ترتبط ارتباطاً وثيقاُ بالحلي
ولو اوقفنا عقارب الزمن وعدنا الى الخلف
لوجدنا ان المنحوتات والتماثيل الاشورية او
السومرية والفرعونية ، من خلال طريقة ارتداء
الازياء كاللباس الذي يلف بطريقة يسمح بظهور
الزند المزين بالحلي المرافق للاقمشة او ظهور
الخلخال من الكاحل
س6/ تميزت بعض اعمالك في الأقمشة على الرقع (
patch work ) وكذلك على الحياكة اليدوية (
IKAT ) ، اي رسالة تريدين ارسالها؟
ج/ ان رسالتي للمجتمعات العربية تندرج في اطار
المحافظة على الموروث الثقافي الذي كانت تتمتع
به مجتمعاتنا العربية ، حيث كانت تتميز
بصناعتها الحرفية المتعلقة بالملابس والحديث
ينطبق على صناعة النسيج في الذي طور صناعة
قماش ايكات وقماش الموسلين الذي يصنع من
الحرير وهو اسم مشتق من مدينة الموصل وقماش
البروكار في مدينة دمشق والتلمساني في
الجزائر.. الخ
حتى مجتمع الفلاحين والبدو الذي يعرف عنه
بالتقشف الذاتي كونه لايفرط ببقايا قصاصات
الاقمشة والتي يحولها الى تصاميم فلكلورية
تضفي نوع من الجمال بشكل جذاب .
وهذا ما منحني القدرة على اعادة الحياة لهذا
الموروث بطريقة ابداعية تغنينا عن نصائح
الفاشنستات الفارغة من المضمون وكذلك تسليط
الضوء على احياء صناعاتنا الخلاقة التي تجسد
جمال واقعنا الانساني وتعيد مكانتنا في
المجتمعات المتقدمة.
س7/ هل توجد في الوان الملابس نوع من الدلالات
والطلاسم عند ارتدائها؟
ج/ بالتأكيد ان هذه الدلالات والطلاسم
المتعلقة بالالوان قد أوضحتها في كتابي "
الازياء والحلي العربية" خصوصا نحن مجتمع ذو
هوية مميزة وتاريخ عريق وجذور راسخة ما يجعل
للون والشكل معنى ودلالة من خلال مايلي.
• اللون الابيض: يرمز الى الطهارة والنقاء وقد
استعمله الكهنة وكذلك الشعوب وفق معتقد التبرك
خصوصا لدى الامويون اثناء فترة حكمهم.
• اللون الازرق والاخضر: يرمز الى الشعور
بالراحة والطمأنية وقد استخدمه العباسيون
اللون الاخضر اثناء فترة حكمهم ، بينما اللون
الازرق فقد كان شائعا لدى المسيحيون.
• اللون الاصفر: يدل على الاستحواذ والتملك
والغيرة وقد استخدمه اليهود من كلا الجنسين
للتعرف على بعضهم البعض.
• اللون البني: يرمز الى الحشمة والمقام
الرفيع.
• اللون الوردي ( الزهري ) : يدل على الانوثة.
• اللون الاحمر: يرمز الى الخصوبة والبهجة
• اللون الاسود: يرمز الى العزيمة رغم انه يدل
على الحزن ، حيث استخدمه المسلمين كشعار في
عهد الرسول محمد (ص)
س8/ وُسمت بعض تصاميمك العصرية بالخط العربي ،
ما الهدف من ذلك ؟
ج/ منذ ان تعرفت على الحروف اللاتينية اصبحت
اكثر حيرة من شدة جمال الحرف العربي وروعة
الكلمة وعمق معناها ، ما دفعني الى استعمال
الخط العربي بكل انواعه ، ابتداءً من خط الثلث
ومرورا بالخط الكوفي العراقي ومن ثم الى الخط
القيرواني وحتى ابجدية الخط المسماري وذلك
لايصال الرسائل المليئة بالحب والانسانية ،
بالاضافة الى الجمال الذي يعتلي سحر الحرف
والكلمة ، ولهذا كانت بداية
حياتي الفنية عندما كنت رسامة ، حيث كنت
استعمل الحرف العربي في لوحاتي ومع مرور الوقت
ترجمة هذه الحروف العربية من خلال تصاميمي
للازياء والان اطرز الخط العربي على الملابس
التي اصبحت تشكل نمطا ووسماُ خاصا باعمالي
وعلى سبيل المثال لوحة ( ما جاع فقير الا بما
متع فيه غني )
أو وليس بعامر بنيان قوم ..اذا اخلاقهم كانت
خرابا ) ، او من خلال اشعار الغزل التي تسلط
الضوء على الشعراء القدامى او المعاصرين.
س9/ ماهي ابرز دور الازياء التي شاركتي فيها
وشكلت نقطة تحول في تصاميمك نحو العالمية ؟
ج/ كانت البداية في السبعينات من خلال اقامتي
ودراستي في عاصمة الموضة والجمال باريس ، حيث
كنت اتلقى دروس الرسم والفنون الجميلة الاخرى
وخصوصا في تقنية الرسم على الحرير على يد احد
الاساتذة الذي رشحني لرسم ربطات عنق حرير
يدويا للمصمم العالمي "ايف سان لوران" حيث
ادخلت الحرف العربي فيه وكنت معجبة بتصاميمه
التي يغلب عليها الطابع الشرقي ، ولهذا يؤخذ
عني انني غير متابع بشكل حثيث للمصممين
المشهورين ، بل كنت افضل الالهام المستنبط من
المتاحف العربية وكتب التراث العربي في
الازياء والحلي ، اضافة الى رحلاتي المتعددة
الى الدول العربية من اجل التعرف على ما تبقى
من الاصالة الممزوجة بعبق التاريخ.
حاورها الدكتور اسماعيل
الجنابي |