هناء صادق وقوس قزح

قدمت الفنانة ومصممة الأزياء الأردنية هناء صادق عرض أزياء مميّزا لدعم جمعية الأيدي الواعدة، في الأسبوع الماضي. كان ذلك في البحر الميت على ضفاف بركة فندق "الهوليدي إن"، الذي قدّم أيضاً ضيافته لتذهب إلى الجمعية أعلاه. وقد انسجمت الأزياء التي عرضتها لنا الفنانة مع الألوان التي حفل بها المكان من أزرق هو لون الماء، ودرجات الأخضر في الحدائق المحيطة، ونيليّ شديد الزرقة جاء مثل قبضة من أعالي البحار، وفيروزيّ يستدعي المقدسات القديمة ولونَ النَّفْس في صفائها المطلق.
ليست الأزياء عند هناء صادق موضة تتغيّر بحسب قرارات مصممي الأزياء العالميين، فمنذ اشتغلت حواسُّها على تلقيط الفضة القديمة والعاديات التي تحملُ أريجَ الماضي من حِلِيّ تهسهسُ على صدور العارضات ومن خلاخيلهنّ، وأدوات زينةٍ نادرة، وبُسُط وسجاجيد ربما مشى عليها سلاطين الماضي، وأثوابٍ طرّزت عليها الجدّات عميقَ أسرارهنّ... منذئذٍ وهي تجد في تصميم الأزياء مغامرةً روحيّة ومعرفيّة في الحميميّ المندثر، نافضةً عنه غبار النسيان، ناثرةً غبار فضّة بلون قوس قزح، مستلهمة من تفاصيل الثوب والمَدْرَكَة والهاشميّ وسِير فلاحات تعزّ، وأرستقراطيات بغداد، ولَلّات مراكش، وخانمات دمشق ما يعلِّقُ الشهقة في الحلق. فبعيداً عن خطوط الموضة، تشتغلُ الفنانة على أُبّهة، وتطرّز أقمشتها القُزحيّة بأنامل نساء مشدودات إلى خيط الحرير كما أنفاس عاشقات مولعات. فاللونُ البحتُ في درجاته المنتقاة يقدّم رسالةً جماليّة صريحة لذائقة تَميزُ ما تحبّ. فمن منا ليس لديها لونٌ مفضّل؟ وحتى عندما يكون أسودَ تتدخّل أصابعُ هناء صادق لتجعل منه تغريدة فريدة من الحبّ والكمال. فسلسلة الألوان على الأطراف تخلقُ قليلاً من الضوضاء والحكي حول صمت الثوب في لونه الحياديّ، أو لِنَقُلْ: شيئاً من المجون في محيط وقور!
فإذا كنتِ تبحثين عن ابتسامة فاقصدي ثوب هناء حيث تعلِّقُها لك حول عنقٍ، أو على طرفِ كُمّ واسع وعريض، تاركةً لجسد مهفهف أن يتنفّس تفاعله مع ألوان الطبيعة وموادها الأنيقة الخالصة. فهناء لا تستعمل إلا أجود الأقمشة وأكثرها التصاقاً بمعنى الطبيعة والأرض. وليس في نيّتها أن تخذل معانيها المرتجاة في فنّ يعلو على الحدث العابر أو الجني الرخيص. إنها -هناء- في سمتها الهادئ لتخفيَ نِمرةً شرسةً في اقتراح جمالٍ وحشي ومفترس، ورئماً ذات أطفالٍ في اقتراح سلام مستتب.
قد نحتار عند الاختيار، ولكنّ الثوب الفيروزيّ وذاك النيليّ والأسودات لا يمكن إلا أن تسترجعَ العينُ -عيني على الأقل- اختيالَها في ذلك المكان المفتوح، في ذلك اليوم الذي تحوّل فيه الزمن إلى صرخة دهشة أو همهمة إعجاب!
مع صُنّاع الجمال لا يمكن أن نفقد الأمل...!

 جريدة الغد

 

 

Copyright 2009, www.hanasadiq.com.

Designed and Powered by ENANA.COM